درس تطبيقي في النصوص الأدبية للمرحلة الثانوية
أي بني ...أهم ما رأيت وجربت

 

أي بني !

إني لأَعلم أنك قد خلقت لزمن غير زمني ، وربيت تربية غير تربيتي ، ونشأت في بيئة غير بيئتي .

كنتُ في زمن شعاره الطاعة ، وأَنت في زمن شعاره التمرد ، وتعلمتُ أول أمري في كُتّاب حقير ، نجلس فيه على الحصير ، مدرس جبار ، يضرب على الهفوة وعدم الهفوة ، ويمرن يده بالعصا فينا كما تمرنون أيديكم على الألعاب الرياضية ، وأنت تعلمت في روضة الأطفال ، حيث تشرف عليك آنسة رقيقة مهذبة وتقدم لك تعليم القراءة والكتابة في إطار من الصور والرسوم والأغاني  .

 

ولو عددت لك الفروق بيني وبينك ، في زمني وزمنك ، وتعليمي وتعليمك ، وبيئتي وبيئتك ، لطال الأمر . ولكن برغم كل هذا لا يزال بيني وبينك وجوه شبه أعمق من هذه المظاهر . والإنسان في جوهره والجمعيات البشرية في نزعاتها الأصلية فترجع إلى أصول واحدة ، ومن أجل هذا كانت تجارب السلف تفيد الخلف . فلأقص عليك شيئاً من تجاربي التي أعتقد أنها تفيدك .
 

 أهم ما جربت في حياتي أَني رأيت قول الحق والتزامه ، وتحري العدل وعمله ، يُكسِب الإنسان من المزايا ما لا يُقَّدر .  لقد استفدت منه راحة الضمير ، واستفدت منه ثقة الناس بما أقول وما أعمل ، واستفدت منه حُسن ظنهم بما يصدرعني ولو لم يفهموا سببه ، ومع هذا فقد استفدت منه ايضاً مادياً أكثر مما استفاد غيري ، ممن لم يلتزموا الحق ولم يراعوا الصدق والعدل .

 

فإذا أردت أن تنتفع بتجربتّي فالتزم الحق والصدق والعدل في جميع أعمالك مهما تكن النتيجة .

 

 ومن أهم تجاربي أيضاً أني رأيت كثيراً من الناس يخطئون فيظنون أن المال ، هو كل شيء في الحياة .  يبيعون أنفسهم للمال ويحاولون أن يتزوجوا المال ويضيعون أعمارهم للمال ، ويفرطون في الفضيلة للمال .  وقد أقنعتني التجارب أن المال وسيلة من وسائل السعادة حقاً. بشرط أن يطلب باعتدال وينفق في اعتدال ، وبشرط ألا يكون ما تحصله كثيراً ، وبشرط أن يبقى المال وسيلة أبداً ولا ينقلب غاية أبداً .

 

 ودلتني التجارب على أن عنصر الدين في الحياة من أهم أسباب السعادة ، ولكن أصدُقك أنه لم يعجبني موقف زماننا من الدين ، ولا موقف زمانك ، فقد كان الدين في زماننا متزمتا لا سماحة فيه ، متشدداً لا لين فيه ، مغلقاً لا عقل فيه ، والدين في زمانكم متضائل لا حياة فيه ، منسي لا ذكر له ، موضوع على الرف لا يُؤْبه به ، والحياة السعيدة كما دلتني التجربة حياة ترتكز على الاعتقاد بإله يركن إليه ويعتمد عليه ، وتستمد منه المعونة ويطلب إليه التوفيق في الحياة ويملأ القلب رحمة وعطفاً وحبّاً لخير الإنسانية – يعجبني من الدين أن يكون سمحاً لا غلظة فيه ، وألا يكون ضيق الأُفق فيناهض العلم ، بل يؤمن صاحبه أن له مجاله وللعلم مجاله ، وأن الدين الصحيح لا يناقض العلم الصحيح ، وأن لا بد منهما جميعا للإنسانية ، فالعلم لحياة العقل ، والدين لحياة القلب .

 

اكتبوا لنا ملاحظاتكم واستفساراتكم

تحرير : المدرسة العربية  www.schoolarabia.net

اعداد : المدرسة العربية

 

تاريخ التحديث : أيار 2003

Copyright © 2001 - 2012 SchoolArabia. All rights reserved الحقوق القانونية و حقوق الملكية الفكرية محفوظة للمدرسة العربية