المدارس التي تحتاج إليها البلاد

الأحد في 19 / 1 / 1919

 

... ثم تكلمنا عن المدارس فسألني عن نوع المدارس التي تحتاج إليها البلاد ، فقلت له : "أن المدارس التي نحتاج إليها مثل المدراس في أوروبا : بساتين للأطفال ، فمدارس ابتدائية ، فمدارس ثانوية ، بشرط أن تكون مدراس حقيقية لا بالاسم فقط كما كان عندنا قبل الحرب ، وأن نختار لها المعلمين والمعلمات الأكفياء المقتدرين لا أن تكون المدارس مأوى عجزة خاملين كما كانت على عهد تركيا ، وأن يكون التعليم فيها مجرداً عن كل تأثير ديني أو جنسي أو سياسي ، أي يجب أن تكون المدارس أمينة للعلم ، وإذا لم يكن بد من التعليم الديني فليعلم كل تلميذ أصول مذهبه بشرط أن نختار أساتذة الدين من خيرة الناس وأفاضلهم لا أن نتركهم وشأنهم لئلا يكون تعليمهم عبارة عن سخافات تضلل العقول وتفسد العقائد الوطنية وتنشىء تعصباً ذميماً وتولد في النفوس كره المدنية واحتقار المذاهب العلمية ، على أن كل ذلك أمر ثانوي بالنسبة إلى روح المدرسة . إننا نحتاج إلى مدارس تبث في التلاميذ روح الحرية والإباء والاستقلال والشجاعة والصدق إلى غير ذلك من المباديء التي تنهض بالأمم من وهدة خمولها فتنفض عنها ثوب العبودية الذي لبسته أجيالاً طوالاً" ، وهنا ذكرت المدرسة الدستورية والمباديء التي راعيناها فيها .

 

ثم قلت له : "إذا سمحت لي قدمت لك نصيحة أن تؤسس هيئة للمعارف من أهل البلاد ممن تعرفت فيهم الغيرة والوطنية والخبرة تكون لهم صلاحية واسعة على شكل الهيئة التي ألفتها الحكومة السابقة قبل الحرب" ، فارتاح إلى هذا الفكر .

 

ثم قال لي أنه يشتغل بوضع برنامج للدروس وأراني برنامج الدروس في المدارس المصرية ، فقلت له : "لست اكتمك أن ليس لمدارس مصر أقل اعتبار عندنا لا في دروسها ولا كتبها ولا برنامجها ولا روحها ، بل إن مدارسنا على علاتها كنت أرقى من مدارس مصر ، فإذا أردنا ترقية المعارف في هذه البلاد فلنأخذ عن أوروبا رأساً . وأما الكتب المدرسية للغة العربية فنضعها نحن من عندنا ولست أظن إلا أننا نستطيع أن نستوفي الشروط الفنية فيها أكثر من أولئك الذي يتطفلون على وضع الكتب المدرسية في مصر" .

 

ثم سألني : "لست أدري إن كنت تقبل شغلاً في الحكومة الآن" ، فقلت : "لا أقبل شغلاً الآن ، أما إذا أسستم هيئة للمعارف فإني أحب أن أكون فيها" .

 

ثم قال : "إن الذي يهمني الآن ويقلقني قلة المعلمين القانونيين" . فقلت له : "إذا لم تستطيعوا أن تجدوا المعلمين الأكفياء المقتدرين فلا أقل من أن يكون في كل مدرسة أستاذ أو أستاذان مقتدران يكلفان بتدريب بقية المعلمين الذين معهما ، وإذا رفعتم شأن المعلمين أقبل المقتدرون على اتخاذ التعليم مهنتهم وإلا فلا يُقبل عليها إلا العاجزون الخاملون الذين لا يصلحون لشيء" .

 

ثم قال : "متى انتهيت من وضع برنامج للدروس عرضته عليك" ، فقلت له : "أقبل ذلك بسرور" ، ثم ودعته على أمل أن نعود إلى هذه الأبحاث في فرصة أخرى .

 

رجوع


اكتبوا لنا ملاحظاتكم واستفساراتكم

تحرير : المدرسة العربية  www.schoolarabia.net

اعداد : المدرسة العربية

المصدر : كتاب كذا أنا يا دنيا ، تأليف المربي المرحوم خليل السكاكيني

تاريخ التحديث: آذار 2002

 

تاريخ التحديث: آذار 2011

Copyright © 2001 - 2011 SchoolArabia. All rights reserved الحقوق القانونية و حقوق الملكية الفكرية محفوظة للمدرسة العربية