ومع أن الشبكة، في الوقت الراهن لا زالت في بدايتها، فإننا إذا تأملنا ما تم تخزينه بداخلها في هذه المدة الوجيزة من معلومات وبناؤه بداخلها من مواقع للخدمات المتنوعة، أخذنا الدوار لا محالة؛ مثلا، لقد تمكنت شركة أمريكية (http://archive.org) تخصصت منذ بداية الويب، حوالي عام 1993، في الأرشفة الإلكترونية، تمكنت في نهاية عام 1999 من جمع سلسلة من الأوراق ارتفعت إلى ما يعادل 1000 قرص صلب من سعة 15 جيغا بايت. وهو حشدٌ توَاصَل في الارتفاع إلى أكثر من 100 جيغا بايت من المعطيات في اليوم، مع أننا لا زلنا في بداية الإنترنت. في الواقع، إن كل ما ظل إلى الوقت الراهن حبيس المكتبات هو الآن بصدد هجرة مكثفة نحو الفضاء الإلكتروني. فمثلا، رقمت الخزانة الوطنية الفرنسية (نقلت من الورق إلى الإلكترونيك) 100 ألف كتاب، ضمنه 80 ألف وثيقة على الخط...

 

سيتضاعف هذا الدوار، دون شك، إذا استحضرنا ما سيصير إليه العنكبوت الأسطوري في غضون السنوات القادمة، عندما ستزداد السعة التخزينية للأقراص، ويتضاعف عدد المواقع، بحيث يصير لكل مقاولة موقعها، لكل كاتب موقعه، لكل فرد علبته البريدية، لكل مدينة موقعها، لكل مقاطعة حضرية موقعها، لكل مكتب للحالة المدنية موقعه، الخ. آنذاك، سيكفي الدخول إلى موقع ما، وإذا بالنوافذ تتضاعف، وتتكاثر وكلما ولجت نافذة أفضت بك إلى نوافذ؛ تدخل موقعا لإحدى الزوايا، فيحيلك على المدن التي سافر إليها الشيخ، تدخل إلى إحداها تفضي بك – ضمن ما تفضي - إلى فنان موسيقي عالمي زارها، تتقفى أثر الفنان، يفضي بك - ضمن ما يفضي - إلى المعهد الذي تعلم فيه الموسيقى، فإذا بك بالمدينة، فإذا بك في متحف، فإذا بك بحلبة لسباق السيارات، الخ... سينتقل العالم الواقعي حرفيا إلى عالم افتراضي، وهو ما لم يعدم الإحساس به الآن: فثمة من يقول بأنه، في غضون عشرين سنة المقبلة، ستظهر شاشات كمبيوتر كبيرة تتسع لعرض بحر المعلومات التي ستكون مودعة في الشبكة، بما ييسر على المرء الإبحار فيها بسهولة للحصول على المعلومات المطلوبة. قد تأخذ هذه الشاشات شكل حائط يعرض خريطة للكرة الأرضية، وبذلك يكفي اختيار نقطة جغرافية محددة، مدينة ما أو دولة ما، فتتدفق المعلومات الخاصة بالنقطة المختارة. ومن جهة أخرى، اختارت بعض المواقع حاليا لنفسها أسماء تعكس الفكرة ذاتها: تسمى موقع عربي ثقافي باسم «مرايا»، وتسمى موقع فرنسي باسم «متاهة».

 

يمكن القول، بإمكان الإنترنت في مدى لاحق أن يحول العالم إلى ثقوب، يكفي المبحر أن يلج أحدها، فإذا به، عبر الارتباطات التشعبية العديدة، يجد نفسه في العالم أجمع، على شاكلة ما يقع - وإن في مستوى صغير جدا - في الموسوعات التي تسطر على كلمات (تحيل القارئ عليها)، داخل نص، فما يغادر القارئ النص الأول إلى النص الخاص بالكلمة / النافدة [في النص الأول]، ويشرع في قراءة النص الثاني حتى يجده لا يخلو أيضا من كلمات مسطرة، تحيله على مقالات أخرى، وهكذا.

باختصار شديد، نحن إزاء إزاحة منهجية عن كل مركز، لفائدة وجود استعاري لا تفي بالتعبير عنه سوى الكلمات الثلاث المتداولة بشدة في حقل الإنترنت وهي: «الملاحة» «المتاهة» و«السرف» (التزلج على الأمواج) .

 

 

اكتبوا لنا ملاحظاتكم واستفساراتكم

تحرير : المدرسة العربية  www.schoolarabia.net

اعداد: الباحث هشام محمد الحرك / مصياف - سورية

 

تاريخ التحديث:  آذار 2003

Copyright © 2001 - 2010 SchoolArabia. All rights reserved الحقوق القانونية و حقوق الملكية الفكرية محفوظة للمدرسة العربية