من كتاب "الفتاة والشيوخ"

بقلم : نظيرة زين الدين

الطبعة الأولى عام 1930


يا سيدي الشيخ ...

كيف حلّلت لنفسك الافتراء عليّ فقلت أني نَقَّصتُ ، في كتابي ، المرأة ؟

 

أوّلست أنا من قالت ما قالت تحت عنوان (ليس النساء مصدر الشر ، أكثر الخير فيهنّ) .

 

"يا ويح الرجل ، ويا لقلة عدله . ليت شعري ، أكان اتيلا ، تيمورلنك ، جنكيزخان ، نيرون وأمثالهم من الأشرار الظلمة نساءً أم رجالاً ؟

 

"ليت شعري ، أكانت الملايين من قتلى الحروب ، وأشكال الويلات والخراب والدمار والآلام والشرور في البلدان والشعوب ، من ضحايا المرأة الرؤوف الحنون ومن آثار أعمالها ، أم من ضحايا نفس الرجل القاسية ومن آثار أعماله ؟ ذاك الرجل القاسي الغاوي الذي داس الحقوق حتى حقوق أمه التي ولدته وربته ، وحبسها وستر وجهها  ومنع النور عن عينيها ، والهواء عن صدرها ، وكسر قلبها ، مسنداً إليها نقص العقل ونقص الدين ، وأنها مصدر الشر للإنسان .

 

إن المرأة يا سيدي .

لم تشتغل في تلك الشرور والحروب ، ولم تشترك فيها إلا بتضميد الجراح ، وتخفيف الآلام ، وحقن الدماء .

 

ولكن لا بد لروح المرأة أن تنصر روح الرجل في الجهاد الأكبر ، ضد النفس الأمّارة بالسوء والشر ، فيتحد الروحان ، حاملين لواء السلام والحرية ، ثائرين على ما بقي في الأرضين من آثار الهمجيّة ، فيسبك العالم كله مدافعه ، وقنابله ، وسيوفه ، وحرابه ، وبنادقه ، وآلاتِ تدميره ، آلات زراعية ، و(ماكنات) صناعية ، وطرقاً حديدية ، وتصبح الكرة الأرضية ، ولكل أمة أو نفس فيها رجلاً وامرأة على السواء دائرةٌ من الاستقلال والحرية ، حدودها أمنع بقوة القانون من الحصون القوية .

 

حينئذٍ يعلو صوت الإنسان صارخاً أنا أنا ، أنتَ أنتَ لا مستعبِد ولا مستعبَد ، ويبطل ذاك القول الظالم (من لا يَظلُم يُظلم) ، ويبطل أن يكون هُتاف الناس للقاهر ، والسجود للمتكبر ، والسيادة للشرّ ، وترفع غاية السلم العام الكبرى ، فوق مصلحة النفس ، وفوق كل مصلحة خاصة ، وتحل الاختلافات بالشرائع لا بالمدافع ، ويبطل أن يكون الحياء والخجل من العار والعيب مختصين بالنساء ، ويستوي الرجل والمرأة بالرأفة والحنان ، على بني الإنسان .

 

إن ذلك الخير كله ستلده للعالم حرية المرأة ، والانتصار في الجهاد الأكبر . إنها الأم والبنت والأخت الحنون الرؤوف لأبناء البشر.

 

"إنا لقّبنا العصر الماضي بعصر الكهرباء ، فلا ريب أن أحفادنا يلقبون عصرنا المقبل بعصر النساء ، وكل من يستقري ويرى يقظة النساء ونهضتهن ومساعيهن وأعمالهن في سبيل الخير والصلاح والسلام ، يستشرف الزمن الآتي فيقضي بأن ما أقول ليس من الرؤى والأحلام ، إنما تلك أماني النفوس الخالصة رضية ، تحققها الأيام .

 

يا سيدي الشيخ ...

أفلا ترى نسبة النساء للرجال في السجون تقل عن نسبة واحد للماية . فعلام تستحسن الحرية للرجال، وتستقبحها للنساء ؟

 

"يا سيدي الشيخ ، كيف تقول : "إن النساء مصدر الشر على الإنسان ؟ أنسيت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "الجنَّةُ تحتَ أقدامِ الأمهات" ؟

 

"أنسيتَ خديجة أُمُ المؤمنين ، أوَّل من آمن بنبيّنا صلى الله عليه وسلم ، وأنارت فجر دعوته النبوية ، وكانت لهُ في أول رسالتهِ العضد المتين ، والنصوح الأمين ؟"

 

"كيف تقول أن النساء مصدر الشرّ على الانسان ؟

 

أنسيتَ أن النساء آمنَّ بالنبي ، صلى الله عليه وسلم ، قبل ان آمن به الرجال ؟ أنسيت أنَّ الرجال كانوا يضعون في طريق النبي صلى الله عليه وسلم حَطباً وشوكاً ويرمونه بالرماد ، وكانت النساء نساؤهم يُحِطْنَ به كالملائكة الحافظين ، فمنهنَّ من رفعنَ الحطب والشوك من طريقهِ ، ومنهنَّ من نفضن الرماد عن رأسه ، ومنهنَّ من ربطن جراح رجليهِ ؟

 

"أنسيت أنه يوم كان سيدنا عمر رضي الله عنه ، متقلداً سيفهُ مفتشاً عن الرسول ليقتلهُ كانت اختهُ فاطمة بنت الخطَّاب مسلمةً تترنَّم بآيات الله ، وهي التي كانت سبب اسلامهِ ، فصار سيف الاسلام القاطع ؟

 

"ومن خَّلص موسى عليه السلام من الموت ؟ أوَليست امرأة !"

"ومن كان أول من آمن بموسى عليه السلام ؟ أوَليس امرأة هي آسية بنت مزاحم ، وهي التي أصرَّت على ايمانها بالله فاوتدَ رَجُلُها فرعون يديها ورجليها إلى أربعة أوتاد ، ثم أمر أن تُلقى عليها صخرة عظيمة وهي تقول (ربِّ ابن لي عندَكَ بيتاً في الجنة) ؟

 

"وكيف تقول ان النساء مصدر الشرّ على الانسان ، ومنهنّ مريم العذراء وفاطمة الزهراء ، وام المؤمنين خديجة ، وعائشة الحميراء ؟

 

"كيف تقول ما تقول والنساء قد ولدنَ الانبياء ؟ واذا قلت للانبياء والدون كما لهم والدات ، فلا تنسَ سيدنا المسيح عيسى عليهِ السلام ، وقد إستقلت بِه أُمهُ مريم العذراء تلك المطهرة المصطفاة ، سيدة النساء وخير الامهات " .

 

كيف حللت لنفسك ان تقول اني طعنتُ في كتابي المرأة المسلمة طعناً دلَّ على خبث وسوء طويةٍ ؟

أهكذا تكون المجادلة بالتي هي احسن وفقاً لارادته تعالى ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(ما أكرمَ النساء الا كريم ، وما أهانهن الا لئيم)  

 

اكتبوا لنا ملاحظاتكم واستفساراتكم

تحرير : المدرسة العربية  www.schoolarabia.net

اعداد : المدرسة العربية

 

تاريخ التحديث 2009

Copyright © 2001 - 2010 SchoolArabia. All rights reserved الحقوق القانونية وحقوق الملكية الفكرية محفوظة للمدرسة العربية

الصفحة الرئيسة