اللص والكلاب

 

للكاتب :نجيب محفوظ

 

الشكل الفني والأسلوب في الرواية:


فوجهة النظر في الرواية والأسلوب (الأسلوب العرض) وما يستخدمه من ألفاظ وصور فنية متنافسة متكررة ومترابطة تنقل للقارئ نظرة سعيد مهران إلى العالم أو موقفه منه ويثير كل ذلك في ذهن القارئ الذي يجد نفسه متعاطفاً مع سعيد مهران المطارد المعذب نفسياً تساؤلات لا بد أن الراوي كان يهدف إلى إثارتها بالشكل الفني غير المباشر كأن يتساءل مثلا عما يمثله سعيد مهران، وما الذي يمثله هؤلاء البشر الذين تتجسد الخيانة في أعمالهم ؟ وما دور المجتمع والعداله في كل هذا ؟ وباختصار من هم اللصوص ومن هم الكلاب ؟

 

ما الذي يريد أن يقوله نجيب محفوظ من خلال "اللص والكلاب" ؟ وهل القضايا المعروضة هنا قضايا اجتماعية محددة أم قضايا أخلاقية مجردة ؟ وللإجابة  نقول أنه من الصعب أن يفصل الانسان بين القضايا الاجتماعية والقضايا الأخلاقية، وبعبارة اخرى من الصعب أن يفصل الانسان في هذه الحاله بين الواقع وبين المثال.

 

والقضية الكبرى التي تطل من وراء هذه الرواية هي قضية العداله. ونظرة إلى ظروف حياة سعيد مهران تطرح سؤالا ملحاً هو : هل سعيد مهران جرثومة خطيرة من جراثيم المجتمع ينبغي أن تهب ضدها كل قواه ومؤسساته لتقضي عليها وتنظيف الحياة منها ؟ إذا كانت العبرة بالواقع الحادثة فحسب فالجواب نعم. إن أي انسان يستشعر معنى الانتماء إلى المجتمع في شكله العادي لا يستطيع الدفاع عن سعيد مهران. لا يستطيع مثل هذا الانسان أن يدافع عن لص، وسعيد مهران لص، ولا يستطيع أي انسان أن يدافع عن قاتل، وسعيد مهران قاتل، بل أن القضيه تزداد فداحة في حالته هو بالذات، حين تكون قضية قتل أناس أبرياء.

 

ولكن مثل هذه الاجابة العادية تتجاهل بعدين هامين من أبعاد الموقف العام المعروض في "اللص والكلاب ". أول هذين البعدين أن هذا اللص المجرم ضحية لظروف خاصة، أبسطها الفقر والحاجه المادية، وأعقدها انه أعد إعداداً فكرياً معيناً جعله يحس إحساساً حاداً – على طريقته- بمعنى تكافؤ الفرص، الوفاء والعدل، ولقد رأى هذه المعاني تنهار، وأهم من انهيارها بالفعل أنه رآها تنهار تحت سمع المجتمع وبصره فلا يحس بها أحد، ولا يدافع عنها أحد ولقد تشبث بمثالة، وحاول تحقيقه عنوة أخذ القانون في يديه، بعد أن استحال تحقيقه عن طريق القانون، وثانيهما انه إذا كان سعيد مهران لصاً – بالمعنى العادي المباشر البسيط فان عليش سدره ونبوية لصان بالمعنى المعقد، لقد سرقا شيئا لا يرى بالعين ولا يلمس باليد، ولكنه حاضر في كل ضمير حي حضوراً بديهياً.

 

ويسلط نجيب محفوظ الضوء باهراً، بحيث لا يخطئه صاحب النظر على هذه السرقة الكبرى التي يبدو أن يد القانون لا تصل اليها.

 

وماذا عن رؤوف علوان ؟ إنه لص بالمعنى الكلي لهذه الكلمة، سرق مجتمعاً بأسره، وحوّل مسيرته، وذلك حين رفع شعارات معينة، وسلك ضدها على طول الخط، ليرتع أخيرا في النعيم المادي الذي كان للذين نادى بفسادهم، ووجوب تقويضهم. ولقد ضمن لنفسه موقعاً لا تمتد اليه يد القانون فحسب، بل إنه أصبح يتكلم باسم القانون، وقدم نفسه على أنه من حُماته ، الذين يرتبط وجوده بوجودهم. والنتيجة أنه أخذ القانون في يديه – مثل سعيد مهران- على طريقته الخاصه.ويبدو في ضوء هذين الاعتبارين – أن الإجابة البسيطة "بنعم" التي أجيب بها عن السؤال السابق، ينبغي أن يعاد فيها النظر.

 

وفي نهاية سعيد مهران المفجعه من ناحية أخلاقية فالكاتب كان يقول: إن القضاء على المستغلين من أمثال رؤوف علوان عن طريق تحقيق العدالة الاجتماعية واذابة الفوارق بين الطبقات ونشر الاشتراكية هو السبيل السوي إلى بناء المجتمع العادل التعاوني، حيث لا رؤوف ولا نبوية ولا عليش، ويوم يتم لنا ذلك فلسوف يكون سعيد مهران أخر ضحايا التطور  الحتمي من القديم الي الجديد وشرق النور والعجائب!

 


المادة من اعداد الأستاذ: عبد الله عزايزه , أستاذ اللغة العربية في مدرسة دبورية الثانوية

 

اكتبوا لنا ملاحظاتكم واستفساراتكم

تحرير : المدرسة العربية  www.schoolarabia.net

اعداد : أ. عبد الله عزايزه       -    مدرس لغه عربيه / مدرسة  دبوريه الثانويه

 

تاريخ التحديث : حزيران 2004

Copyright © 2001 - 2012 SchoolArabia. All rights reserved الحقوق القانونية و حقوق الملكية الفكرية محفوظة للمدرسة العربية