أَبَدُ الصُبَّار

محمود درويش

 

 أولاً : توطئة

لم يشهد التاريخ الحديث عدوانا مخططا ومدعوما من أكثر الدول حضارة وقوة  وتقدما تقنيا ، وقع على شعب صغير مسالم هو شعب فلسطين ، وترتب عليه اقتلاع معظم أهل  بلد آمن مطمئن من بيوتهم وأرضهم وديارهم من ناحية ، وتهديد الجزء اليسير الذي ظل في وطنه ، واجتياح أرض الناس فيه ، وقتل ابنائهم وتدمير بيوتهم واقتلاع اشجارهم ، وتخريب ما تبقى من معالم حضارتهم ، وتهديد امنهم في كل لحظة ، وممارسة ابشع أنواع الإرهاب والقهر والإذلال والإحتقار ، على كل رجالهم ونسائهم وأرضهم وأشيائهم . من ناحية أخرى .

 

إن السؤال الساذج والبديهي الذي يمكن أن يطرحه كل إنسان من هؤلاء الناس  - ومن غيرهم - : لماذا ابتلي أبناء هذا الشعب وحدهم دون سواهم  - بلعنة البطش والغطرسة والعربدة والاستقواء والقهر والعسف ، لماذا لا يوجد مثيل لقضيتهم في أي مكان على وجه الدنيا؟؟ ثم إن من حقهم أن يسألوا : أما لهذا الوضع الشاذ – لا الفريد – من أمل في إنهائه ! ولِمَ تتواضع دول الغرب – المتحضرة – على عدم رفع صوتها – مجرد رفع صوت – احتجاجاَ على ما يصيب هذا الشعب الأعزل ، ذا القضية العادلة من وظلم وقتل وتشريد وإذلال !؟

 

لم يكتف أبناء فلسطين – بطرح ذلك  السؤال الساذج والمشروع . فقد اكتشفوا أن من حقهم المنصوص عليهم دوليا ، مقاومة الاحتلال ، ودفع أذاه عنهم . أنهم يملكون كما هائلا من أدوات ووسائل الدفاع عن أنفسهم ، أمام عدوهم القوي والظالم ، ابتداء بأبسط أشكال المقاومة السلبية . ثم اللجوء إلى الحجر والمقلاع ، ومرورا بالبندقية وغيرها من ادوات المقاومة المؤثرة ، إلى أن وصلوا إلى تطوير أسلوب بدا في نظرهم ذا  أثر فعال في رد العدوان وإيلام المعتدي ، وإشعاره بعدم قدرته على مقاومة هذا السلاح ، لذا أثروا أن يجعلوا من أجسادهم مستودعات ذخائر تنفجر عندما يشعرون بأن صيدها يستحق ذلك !

 

ومع ذلك ، فهم لا يرفضون أن تكون لهم أحلامهم – كما شعوب الارض جميعها – وأن تهيأ لهم ظروف الأمن والشعور بالإنسانية التي تكفل لكل من يعيش على سطح  هذا الكوكب . وأن يحلموا بدولة يكون لها مقومات الدولة التي تستطيع أن تستمر وتعمر ، فيعيدوا تشكيل حياتهم وفق قوانين ومؤسسات ، مدنية ، أسوة بأي دولة يسمعون عنها في العالم .

 

إن طمع المواطن الفلسطيني في أن يكون إنسان ذا كرامة على  أرضه وفي وطنه . هو الذي يبحث عنه روح التجريب عن كل أسلوب وطريقة ورؤية تساهم في تحقيق أحلامه المشروعة نظرياَ والمصادرة عمليا . التي صادرها الصهاينة مع مصادرة معظم أرضه ومحاولة اقتلاع من أصوله .

 

لم يفتأ هذا الفلسطيني ، يصر أن يعيش حراً ، مثل بقية المخلوقات ، فعوامل احتلال الارض – وطرد أصحابها وترويعهم ، لم تقد إلا إلى مزيد من المقاومة والانزراع في أرض الوطن ، والصبر الخرافي على كل ما يمارس ضده . لغياب التوازن في القدرة بينه وبين عدوه يحدوه إيمان عميق بانتصار حقه في النهاية ، ودحر الغاصب المحتل . وهو يرى ويقرأ ويسمع عن نهاية كل من حاول غزو أرضه قديما وحديثا .

 

ولعل محاولة محمود درويش أحد أبناء هذا الشعب الذي اكتوى بنار الاحتلال : اعتقالاً وإبعاداً وتهديداً بسحب الجنسية لا تعدوا أن تكون رؤيا للحديث عن فضيلة الصبر الطويل والمضني الذي عانى شعبه منه دهوراً طوالا. مؤمنا أن بعده فرجاً قريباً واندحاراً مذلاً للمحتل !

 

اكتبوا لنا ملاحظاتكم واستفساراتكم

تحرير : المدرسة العربية  www.schoolarabia.net

اعداد : أ. وليد جابر

 

تاريخ التحديث : آذار 2004

Copyright © 2001 - 2012 SchoolArabia. All rights reserved الحقوق القانونية و حقوق الملكية الفكرية محفوظة للمدرسة العربية