درس تطبيقي في النصوص الأدبية

كيف ننفتح على العالم الخارجي دون أن نفقد شخصيتنا ؟

 

لم يعد بوسع شعب من الشعوب أن يعيش منعزلاً عن العالم الخارجي داخل حدود بلاده ، لأن وسائل المواصلات الحديثة ، قاربت ما بين البلدان والشعوب بصورة لم يسبق لها مثيل في التاريخ ... 

فبالإضافة إلى السيارة والقطار والباخرة والهاتف والتلغراف التي لعبت دوراً عظيماً في عالم الاتصال والمواصلات ، دخلت ميدان المواصلات الطائرة النفاثة ووسائل الاتصال السلكية واللاسلكية المطورة ، والأقمار الصناعية والتلفاز . فأصبح عالم اليوم صغيراً ، يمكن الانتقال إلى أي جزء منه في ساعات ، ويعرف ما يقع في أي زاوية منه في أجزاء من الساعة ....

 وقد ترتب على ذلك أن انفتحت الشعوب بعضها على بعض ، وأصبح ما لدى كل منها قابلاً لأن يؤثر فيما عند الآخرين ويتأثر به . والحياة أخذ وعطاء ، عند الأفراد والشعوب على السواء ، وكما لايحسن بالفرد أن يأخذ من الآخرين دون أن يعطي ، كذلك لايحسن بشعب من الشعوب أن يكون عالة على الشعوب الأخرى ، يأخذ منها ولايعطيها .... 

والشعوب العربية ، مثل بقية شعوب العالم ، أصبحت منفتحة على العالم الخارجي أكثر من أي وقت مضى ، وذلك بسبب ما ذكر من تقدم وسائل الاتصالات والمواصلات . ولأن بلاد العرب تمثل جشسر اتصال ما بين أقطار العالم بفضل موقعها المتوسط . فضلاً عن وجود عدد كبير جداً من أبنائها يتلقون دراسات عليا في مختلف أقطار العالم . 

من هنا وجب على الشعوب العربية أن تكون واعية أشد الوعي في عملية الانفتاح على العالم الخارجي ، لأن هذا الانفتاح قد يكون نعمة كبرى وقد يكون محنة شديدة . 

يمكن أن تكون نعمة كبرى ، إذا كان ما يؤخذ من الآخرين يؤخذ عن وعي ومعرفة وتخطيط . وهذا يقتضي أن يكون لأمة العرب مقاييس خاصة تقاس بها الأمور ، ويحكم بها على ما هو نافع وما هو ضار . فليس كل وافد من الخارج جيداً ينتفع به ، ويتلاءم مع بيئتنا ومتطلبات حياتنا . وينبغي أن نتذكر أننا لسنا أمة دخيلة على التاريخ والحضارة تأخذ من الآخرين دونما تمييز . فنحن أمة عريقة أعطت الكثير للمجتمع البشري . ولنا مقوّمات شخصيتنا الحضارية الخاصة بنا . وما نأخذه من الآخرين ينبغي أن يكون منسجماً مع قيمنا ومبادئنا وشخصيتنا . 

ويمكت أن يكون هذا الانفتاح محنة شديدة ، إذا كان يعني الأخذ من الآخرين دون وعي وتمييز وتدبر . ذلك أن أخذاً كهذا سيترتب عليه انطماس شخصيتنا الحضارية ، واندماجها في شخصيات الشعوب الأخرى . وبالتالي انتهاء قدرتنا على الطاء المستقل . 

وعلى الإنسان العربي أن يتذكر دائماً أن انفتاح الشعوب بعضها على بعض يتطلب أن يسهم كل شعب منها في عملية العطاء . حيث يعطي أفضل ما عنده ليستفيد منه الآخرون ، ويأخذ من الآخرين أفضل ما عندهم للاستفادة منه . 

والشعب الذي يفهم عملية الانفتاح إنها عملية أخذ من الآخرين دون إعطاء لهم ، إنما يشبه التاجر المفلس الذي يريد أن يدخل في شركة مع تجارٍ آخرين دون أن يكون معه مال يسهم به معهم فس الشركة. وإغناء الحضارة العالمية غالباً ما يكون نتيجة تفاعل ما بين الحضارات المختلفة . إذ أن كل حضارة لها مميزاتها الخاصة ، وقد تكون هذه المميزات غير موجودة في الحضارات الأخرى ، فتحصل عملية الإغناء عن طريق التقاء المميزات الحضارية المختلفة معاً ، في تمازج نافع فيما بينها وليس في ضباع الواحدة منها في الأخرى وفنائها فيها . 

بقي أن نتذكر نحن العرب ، ونحن ننفتح على العالم الخارجي ، وعلى العالم الغربي بصورة خاصة ، أن امتلاك القدرة على صناعة هذه الأدوات ، ومعرفة العلم اللازم لهذه الصناعة ، وأن علينا أن نسعى أولاً لامتلاك نلك القدرة وهذه المعرفة ، لكي نتمكن نحن من صناعة ما نحتاج بأيدينا.

وينبغي أن نتذكر كذلك ، ونحن في معركة حضارية فاصلة مع الصهيونية التي تحتل أجزاء عزيزة من أرض العرب ومع حلفاء الصهيوينة ، أن في مواريثنا الحضارية من القيم والمبادئ الإنسانية السامية ما لا يوجد في أيةِ حضارة أخرى . ولذا فإن علينا أن نحرص عليها كل الحرص تقديراً لها من ناحية وحفاظاً على شخصيتنا الخاصة بنا من ناحية أخرى .  

د. محمود إبراهيم .

اكتبوا لنا ملاحظاتكم واستفساراتكم

تحرير : المدرسة العربية  www.schoolarabia.net

اعداد : أ. وليد جابر

 

تاريخ التحديث : أيلول 2002

 

Copyright © 2001 - 2010 SchoolArabia. All rights reserved الحقوق القانونية و حقوق الملكية الفكرية محفوظة للمدرسة العربية