أنْشَأَ الخَليفَةُ العباسيُّ (المسْتنْصرُ باللّهِ) ، مدْرَسَة المُسْتنَصريَّة في آخر سوقِ الثُلاثاء ، على شاطئ دجْلَةَ ، سَنَةَ خَمْس وَعِشْرينَ وستِّ مِئةَ للْهجرَةِ ، فَكانَتْ في مَظْهرِها الرِّائعِ أَعْظَمَ شاهدٍ على ما بَلَغتْهُ الحَضارةُ مِنَ الرُّقيّ حينَذاك ، وَبَقاياها ، التّي ما تَزالُ قائمِةً عَلى ضَفَّةِ دِجْلَةَ ، تُؤيِّدُ ما ذكرهُ تاريخُ العِلْمِ والتَّمدٌّنِ عَنْ هذهِ الجامِعَةِ العُظْمى .

 

كانَتِ المَدْرَسَةُ المُستَنْصريَّةُ تَشْتَمِلُ على مَبانٍ مُتعدِّدَةٍ وَقاعاتٍ وَرَدَهاتٍ ، مِنهْا أرْبَعُ قاعاتٍ لتَدْريس الفِقْهِ ، وَمنهْا دارٌ للْقُرآنِ المجيدِ ، وَدارٌ للْحديثِ النبويِّ الشريفِ ، وَقاعَةٌ لِتَعْليمِ مَدْرَسَةٌ للِطِّبّ وَمُسْتَشْفى ، وَفي هذِهِ البنايَةِ كانتِ السّاعَةُ العَجيبةُ ، اَلتي لمْ يُعْرَفْ لَها مَثيلٌ في التاريخِ ، وَلَمْ يَبْقَ إلاّ ذِكْرُها في الكُتُبِ ، وَفيها مكتَبةٌ أَوْدَعهَا الخَليَفَةُ ثَمانينَ ألفَ مُجلَّدٍ مِنَ الأسْفارِ الناّدِرَةِ في جَميعِ العُلومِ والآدابِ والفُنونِ والصِّناعاتِ .

 

فُتحت المسُتَنْصيريَّةُ سَنَةَ إحدى وثَلاثينَ وَسِتِّ مئَةٍ للْهجْرَةِ باحْتفِالٍ عَظيمٍ حَضَرَهُ الخلَيفَةُ وَرجالُ الدَّوْلَةِ وَالوُلاةُ والقُضاةُ والمُدَرِّسون وَأعيانُ أهل بَغدادَ ، فَكانَ يَوْمُ الافْتتاح منْ أيّامِ بَغْدادَ المشَهْودَةِ في التاريخ .

 

وَلمْ تَزَل هذِهِ المَدْرَسَةُ العَظيَمةُ زاهرةً زاهيةً إلى أَنْ دَخَلَ بَغْدادَ التتارُ فَخرَّبوها وَأغْرقوا الكُتُبَ في دِجْلةَ ، سَنةَ سِتٍّ وخَمْسينَ وسِتِّ مئةٍ للِهجرْة وَانْدَثَر بذلك مَجْدُ (المُسْتَنْصريّةِ) وَكُسِفَ نورُها ، وَتَبَدَّدَ شَمْلُ عُلَمائِها ، وَتَفَرَّقَ عَنْها جُموعُ طُلاّبِها . فَحَوَّلَها عُدوانُ الْجَهْلِ إلى أطْلال .

 

وَإحْياءً لِذِكْرى هذِهِ المَدْرَسَةِ العَظيمَةِ ، وَتخْليداً لِعُلَمائِها ، فَقَدْ تَأسْسَتْ في بَغدادَ سَنَةَ ثلاثٍ وَستّين وَتِسْعِ مِئةٍ وألفٍ للميلاد ، جامعةٌ كبيرةٌ سُمِّيَتْ ، بالجامعة المستنصريّة – وهذه الجامعة تَضُمُّ أقساماً مُخْتِلفَةً تَشْمَلٌُ العُلومَ الحَدَيثَةَ وتُحيي ذلك التُّراثَ الذّي شعَّت بنورِهِ المَدْرسَةُ المُسْتَنْصريَّةُ في تلْكَ العصُورِ ، على أقطارِ الدُّنْيا مِنْ فَرَنْسا غَرْباً إلى الصّين شَرقْاً ، وخَدَمَتَ الإنسانية . هذا وَقدْ تَوسَّعتْ الجامعةُ المسْتَنْصِريَّةُ فَأُضيفَتْ إَلَيهْا أَقْسامٌ علْميَّةٌ
جَديدة .

 


 

اكتبوا لنا ملاحظاتكم واستفساراتكم

تحرير : المدرسة العربية  www.schoolarabia.net

إعداد :  المدرسة العربية

 المصدر : كتاب القراءة العربية  / جمهورية العراق

تاريخ التحديث نيسان 2003

وزارة التربية / الصف السادس الابتدائي   ـ   الطبعة التاسعة - 1997

تاريخ التحديث شباط 2004

Copyright © 2001 - 2010 SchoolArabia. All rights reserved الحقوق القانونية وحقوق الملكية الفكرية محفوظة للمدرسة العربية