زينب حبش

 

لم تكن أمي عضواً في أي تنظمي نسائي، إلا أنها كانت تستمع إلى جميع الاذاعات، وتحلل الأخبار . وما أن أعود من عملي حتى تبدأ بإعطائي ملخصا عما سمعته.

 

وحين انفجرت الانتفاضة في أواخر عام 1987، تفجرت في قلوبنا ينابيع الأمل جميعاً.  وخاصة أمي.

 

فقد كانت تضع على سور الحديقة، أكواماً من البصل والليمون، وأوعية الماء، لتكون في متناول المشاركين في الانتفاضة.

 

وكانت تنسق مع الشباب والشابات، فتخفي لهم الأعلام واللافتات حتى إذا تجمعت التظاهرة أمام منزلنا، يتسلمونها منها، ويأخذون كل ما يحتاجونه من الكاز والكبريت لاشعال الاطارات.

 

وكانت تفتح أبواب منزلنا من الأمام والخلف، لتساعد الشباب المطاردين في النجاة من الجنود الذين يطاردونهم.

 

وكانت تحتضن الأطفال الخائفين، فتقدم لهم الماء والطعام، وتجلسهم في غرفة الضيوف، إلى أن تنتهي المعارك، ثم تهربهم طفلاً طفلاً، فتساعدهم بالقفز من الشرفة حتى لا يراهم الجنود. وكانت تجلس أمام المنزل بسبحتها التقية، وإذا حصلت عملية اعتقال أو ضرب لأحد الشباب، تحاول تخليصه، بحكمتها ووقارها المعروف، من بين أيدي الجنود.

 

وكانت تشاركني في عملي التربوي، فتستمع إلى الأشرطة التي نسجلها للأطفال، وتتدخل في الهدايا التي أقدمها للطلبة المتفوقين.

 

فقد قررت اعطاء جوائز لجميع الطلبة المشاركين في مسابقة التعبير والمطالعة، وعدم الاكتفاء بالأوائل الثلاثة "بكفيش أجواء واتّعتسوا من كل البلاد في ها الظروف الصعبة؟ أنا مستعدة أدفع ثمن الجوائز مني".

 

وكانت لا تترك اعتصاما ولا مسيرة إلا وتشارك فيها، سواء كانت في رام الله أو القدس، ولم تتأخر يوماً واحداً عن الصلاة في المسجد الأقصى أيام الجمع، مخترقة جميع الحواجز.

 

وكانت تملأ المخزن بكل أصناف الطعام والمعلبات بكميات كبيرة لتقدمها لمن يحتاجونها.

 

سألتها: يا أمي. لماذا تريدين كل هذه الكميات ونحن لا نحتاج لكل ذلك؟

 

ردت علي قائلة: أين ذكاؤك؟! وهل تظنين أنني أحتفظ بالنقود والطعام لنفسي؟!

 

وكانت ملجأ للاستشارة، وللاصلاح بين المتخاصمين.

 

كما كان الجيران يأتون إليها بأطفالهم الخائفين، فتقرأ على رؤوسهم آيات من القرآن الكريم التي تطرد عنهم آثار الخوف.

 

وكنت ألجأ إليها كلما ألمّ بي المرض أو الاحباط فتكون نعم الطبيبة النفسية والممرضة.

 

صحيح أنها لم تكن عضواً في أي تنظيم سياسي، إلا أنها كغيرها من الأمهات الفلسطينيات، كانت تنظيماً بكامله.

 

رجوع

اكتبوا لنا ملاحظاتكم واستفساراتكم

إعداد :  المدرسة العربية

تحرير : المدرسة العربية  www.schoolarabia.net

تاريخ التحديث : أيلول 2005

 

Copyright © 2001 - 2010 SchoolArabia. All rights reserved الحقوق القانونية وحقوق الملكية الفكرية محفوظة للمدرسة العربية