مزايا اللغة العربية

الثلاثاء في 10 / 3 / 1914

 

قلت : "إذا قابلت اللغة العربية بغيرها وجدت لها مزايا عديدة :

(1) إنها لغة فخيمة فيها من الحروف الفخيمة ما لا تقابل به لغة أخرى ، وكل حروفها وأصواتها واضحة صريحة فلا تسمع كلمة منها إلا سمعت كل حروفها وتبينت كل أصواتها ، على حين تجد أن كثيراً من الحروف في اللغات الأوروبية صامتة أو خفية والحركات عديدة منها خالصة ومنها بين وبين .

ثم تجد في اللغة العربية حروفاً حلقية لا تجدها في غيرها من اللغات ، فما السر في ذلك ؟ ... السر أنه لما كانت الأمة العربية عريقة في البداوة تعيش في الهواء النقي الطلق كانت حلوقها قوية تقدر على إخراج تلك الأصوات ، بل إن الأصوات التي تخرج من أعماق الحلق تدل على أن الأمة التي تنطق بها شديدة التأثر حادة الطبع لا تطيق الهمس والغمغمة بل تميل إلى الصراحة والوضوح ولا تتكلم إلا عن تأثر وأنها تعني ما تقول .

وقد كان في بعض اللغات الأوروبية مثل هذه الأصوات ولكنها لم تلبث أن ماتت فيها ، وربما ماتت بعض الحروف الأخرى بحيث لا يتكلم الناس بها إلا همساً . بل إن العرب أنفسهم في دور انحطاطهم هذا ليَّنوا القاف فجعلوها همزة وحذفوا العين من بعض كلماتهم ، مثل "إسا" – هذه الساعة ، و "لِسا" – لهذه الساعة ، لأن حلوقهم بسبب تحضرهم قد ضعفت فصارت تستثقل هذه الأصوات . بل استبدلوا بالحركات القصيرة في بعض الكلمات حركات طويلة لارتخاء في نفوسهم "فَقُمْ" يلفظونها "أوم" ، و"قلْ" يلفظونها "أول" الخ .

 

(2) إنها لغة إيجاز، وذلك:

أولاً: لأنها لغة أعرابية ، فتغيير حركة آخر الكلمة يغني عن تغيير ترتيب الجملة أو زيادة بعض حروف أو كلمات ويؤدي المعنى المراد على

أوضح صورة ، ... الخ .

وثانياً: لأنها لغة اشتقاقية، بل هي أرقى اللغات في الاشتقاق ، فنقل الكلمة من وزن إلى وزن آخر يفيد معنى جديداً قد لا يؤدى في لغة أخرى

إلا بعدة كلمات الخ .

ثالثا:ً لأنها غنية في أفعالها "فلكل معنى لفظ خاص حتى أشباه المعاني أو فروعها وجزيئاتها" كما قال زيدان في كتابه "تاريخ آداب اللغة

العربية". علي حين ترى اللغات الأخرى قليلة الأفعال فبدلاً من أن تؤدي المعنى بلفظ واحد خاص به تؤديه بلفظتين أو أكثر، ولا سيما اللغة الإنكليزية فهي تلجأ في كثير من المعاني إلى استعمال الصفة مع فعل "صار" أو "حصل" أو "أحس" . ثم لما كان لكل شخص علامة خصوصية تدخل على الفعل أو تلحق به مثل التاء في "ضربت" والهمزة في "أضرب" فكيفما استعملت الفعل فلا يقع التباس، على حين ترى اللغات الأوروبية لدفع هذه الالتباس تضطر إلى تغيير التركيب واستعمال كلمات أخرى مما لا يتسع المجال هنا لبيانه .

ورابعا:ً لأنها غنية في حروفها، ففيها من حروف الجر والنفي والنداء والاستفهام على كثرة ما تتضمنه من المعانيوالاعتبارات ما لا تضاهيها

فيه لغة أخرى .

خامساً: لأنها تحتمل الإضمار والتقدير والتقديم والتأخير والحذف أكثر من غيرها .

 

لهذه الأسباب وغيرها امتازت اللغة العربية بإيجازها حتى كأنه فطرة فيها بحيث لا يظهر فقط في ألفاظها وتراكيبها بل في قراءتها إذ تتصل الكلمات ويأخذ بعضها برقاب بعض ، بل في خطها وكتابتها ، وذلك أولاً لأن الحروف الابتدائية والوسطى صغيرة الحجم دقيقة الشكل ، وثانياً لأن العرب يلغون الحركات القصيرة لأنها في اعتبارهم مفهومة لا حاجة إلى كتابتها ، بل يظهر الإيجاز في أمثالها وأشعارها وخطبها وسائر فروع أدبياتها فهم يكرهون التطويل الممل .

 


اكتبوا لنا ملاحظاتكم واستفساراتكم

تحرير : المدرسة العربية  www.schoolarabia.net

اعداد : المدرسة العربية

المصدر : كتاب كذا أنا يا دنيا ، تأليف المربي المرحوم خليل السكاكيني

تاريخ التحديث: آذار 2002

 

تاريخ التحديث: آذار 2011

Copyright © 2001 - 2011 SchoolArabia. All rights reserved الحقوق القانونية و حقوق الملكية الفكرية محفوظة للمدرسة العربية