على ضفافِ شطِ العربِ تنتصبُ هاماتُ النخيلِ فارعةٌ وتمدُّ جذورَها في أعماقِ التربةِ المعطاءِ وينسابُ شطُ العرب بين النخيل انسيابَهُ الأبديّ حتى إذا شارفَ البصرة كان له أن يلثَم ضفافاً طاهرةً ويستجلي في معالمِ المدينة الخالدة ملامَح الأجدادِ العظام ومنجزات الفكر العبقريِ .  

 

يشاء الله لهذه المدينة أن تنجب عباقرة يخلدُ اسمُها بذكرهم ، وتخلد أسماؤهم بذكرها.

إنها مدينة الخليل بن أحمد الفراهيدي والأصمعي والحسنِ البصري والجاحظ وجرير والفرزدق وبدر شاكر السياب. هنا كان للمربد أن يصغي بعمقٍ إلى أصواتِ جريرٍ والفرزدقِ والراعي النميري ليستوعب روائع الابداع الأدبي وكان لمساجدِ البصرةِ وحلقاتها العلمية أن تشهد مجالس الخليل بن أحمدَ الفراهيدي ويونس بن حبيبٍ والحسنِ البصريِ والأصمعيِ والجاحظِ لتتأملَ عَظمة نتاجِ الإبداعِ الفكري . هو تأريخ حافلٌ بالعطاء ِ ... وهي قرونٌ تمتدُّ بين أولِ لبنةٍ وضعهَا العربُ في بناءِ المدينة وتمثالِ السّيابِ الذي ينتصِبُ شاهداً على أن المدينة لا تزالُ أمّاً منجبةً للأفذاذ .  

 

افليس من حقها أن تزهو على الحواضر العربية بتأريخ صمودها أو بمن انجبت من أبناء ؟
 

ولم لا تطمئنُّ البصرةُ ؟ ولم لا ينسابُ شط العرب لاثماً أعتابها الطهور ؟

 

تأبى المدينةُ أن تضَع يدِهَا على القلب هلعاً .. فهي تعلم أن بشائرَ النصر سَتهِلُ طالَ شوطُ الموَاجهة أم قِصُر .. واثقةٌ من أنها البشائِرُ ستهلُّ لفجرِ يومٍ ربيعيٍ بهيجٍ . ألم ينتفض أبناؤها ليدفعوا مهرَ كرامِتِها كأبناءِ أيّ أم عربيةٍ ولودٍ ؟ ألم ينهضْ لها الرجالُ من كلِ قريةٍ ومدينةٍ في العراقِ ؟ أيُ مجدٍ أعظمُ من هذا المجدِ ؟ وأي شموخٍ أكرمُ من هذا الشموخِ ؟  

 

حين ظمئتِ البصرةُ أبت أنهارُ العراقِ وروافدهُ إلا أن تجمعَ كلَ عَطائها لتصبَّهُ في شطِ العربِ وتخصَها به ... وحين تُستهدف البصرةُ يأبى رجالُ العراق إلا أن تنهضَ لها السواعدُ من كل حَدَبٍ وصوبٍ لتدْرأ عنها الشر وتصوغ من الأضلاعِ سوراً يحمي مدينة الُمدُن ...

 

بشراك يا بصرة ... بشراك يا مدينة المدن

 

إنه الزمن الصعب يجتازه الرجال بعزيمة الرجال. وإنه نصر العراق الصامد ونصر الأمة العربية تطلع شمسه من ثراك الطهور . وحين يمر شط العرب مرة أخرى عند أعتابك ليلثم أصول نخيلكِ الشامخ فحسبه أن يسمعها منك رائعة صادقة :

الأهل قاتلت .... اللهم اشهد.

الأهل وفيت ... اللهم اشهد.

الأهل انتصرت ... اللهم اشهد.

 

معاني المفردات:

الفارعة : العالية.

الأفذاذ : جمع فذ ، الفرد الذي لانظير له.

أديمها : الأديم في الأصل الجلد ، وهو سطح كل شيء.

الغوغاء : الغوغاء من الناس الكثير المختلطون لا نظام لهم.

ثراك : الثرى التراب.

 

اكتبوا لنا ملاحظاتكم واستفساراتكم

تحرير : المدرسة العربية  www.schoolarabia.net

اعداد : المدرسة العربية

 

تاريخ التحديث : آذار 2003

Copyright © 2001 - 2012 SchoolArabia. All rights reserved الحقوق القانونية و حقوق الملكية الفكرية محفوظة للمدرسة العربية