مستقبل اللغة العربية

 

 مقتطفات من مقابلة كانت قد أجرتها مجلة الهلال المصريّة مع جبران خليل جبران حول مستقبل اللغة العربية.

 

(2) وما عسى أن يكون تأثير التمدّن الأوروبِّي والروح الغربيّة فيها ؟

 

إنّما (التأثير) شكل من الطعام تتناوله اللغة من خارجها ، فتمضغه ، وتبتلعه ، وتحوّل الصالح منه إلى كيانها الحيّ كما تحوِّل الشجرة النور ، والهواء ، وعناصر التراب ، إلى أفنان ، فأوراق ، فأزهار ، فأثمار .

ولكن إذا كانت اللغة بدون أضراس تقضم ، ولا معدة تهضم ، فالطعام يذهب سُدى ، بل ينقلب سمّاً قاتلاً .  وكم من شجرة تحتال على الحياة ، وهي في الظلّ ، فإذا ما نُقِلَت إلى نور الشمس ، ذبلت ، وماتت .  وقد جاء : << مَنْ لَه يُعْطى ، ويُزاد ومَنْ لَيْسَ لَه يؤخَذُ منه >> .

وأمّا الروح الغربيّة ، فهي دَوْر من أدوار الإنسان ، وفصل من فصول حياته .  وحياة الإنسان موكب هائل يسير دائماً إلى الأمام ، ومِن ذلك الغبار الذهبيّ المتصاعِد من جوانب طريقه تُكوَّن اللغات ، والحكومات ، والمذاهب ، فالأمم التي تسير في مقدَّمة هذا الموكب هي المبتكرة ، والمبتكر مؤثِّر ، والأمم التي تمشي في مؤخّرته هي المقلِّدة ، والمقلِّد يتأثر .  فلما كان الشرقيّون سابقين ، والغربيّون لاحقين ، كان لمدنيَّتنا التأثير العظيم على لغاتهم .  وها قد أصبحوا هم السابقين ، وأمْسَيْنا نحن اللاحقين ، فصارت مدنيَّتهم ، بحكم الطبْع ، ذات تأثير عظيم على لُغتَنا ، وأفكارنا ، وأخلاقنا .

 

بيد أنَّ الغربيِّين كانوا في الماضي يتناولون ما نطبخه ، فيمضغونه ، ويبتلعونه محوِّلين الصالح منه إلى كيانهم الغربيّ .  أما الشرقيّون ، في الوقت الحاضر ، فيتناولون ما يطبخه الغربيّون ، ويبتلعونه ، ولكنّه لا يتحوّل إلى كيانهم ، بل يحوِّلهم إلى شبه غربيِّين ، وهي حالة أخشاها ، وأتَبرَّم منها ، لأنَّها تُبيِّن لي الشرق تارة كعجوز فقد أضراسه ، وطوراً كطفل بدون أضراس !..  

 

إنّ روح الغرب صديق وعدوّ لنا .  صديق إذا تمكّنا منه ، وعدوٌّ اذا تمكّن منّا ، صديق إذا فتحنا له قلوبنا ، وعدوّ إذا وهبناه قلوبنا ، صديق إذا أخذنا منه ما يُوافقنا ، وعدوّ إذا وضعنا نفوسنا في الحالة التي توافقه .

 

اكتبوا لنا ملاحظاتكم واستفساراتكم

تحرير : المدرسة العربية  www.schoolarabia.net

اعداد : المدرسة العربية

المصدر : جبران واللغة العربية ، تأليف :  د. اميل بديع يعقوب 

منشورات جروس - برس / ط1   1985

تاريخ التحديث : أيلول 2003

Copyright © 2001 - 2012 SchoolArabia. All rights reserved الحقوق القانونية و حقوق الملكية الفكرية محفوظة للمدرسة العربية