مستقبل اللغة العربية

 

 مقتطفات من مقابلة كانت قد أجرتها مجلة الهلال المصريّة مع جبران خليل جبران حول مستقبل اللغة العربية.

 

(4) هل يعمُّ انتشار اللغة العربيّة في المدارس العالية وغير العالية وتُعلّم بها جميع العلوم؟

 

لا يعمّ انتشار اللغة في المدارس العالية وغير العالية حتى تصبح تلك المدارس ذات صبغة وطنيّة مجرّدة ، ولن تعلّم بها جميع العلوم حتى تنتقل المدارس من أيدي الجمعيّات الخيريّة ، واللجان الطائفيّة ، والبعثات الدينيّة إلى أيدي الحكومات المحلّيّة .

 

ففي سوريا مثلاً كان التعليم يأتينا من الغرب بشكل الصَّدقة ، وقد كنا ولم نزل نلتهم خبز الصدقة لأنّنا جياع متضوِّرون ، ولقد أحيانا ذلك الخبز ، ولما أحيانا أماتنا . أحيانا لأنّه أيقظ جميع مداركنا ، ونبّه عقولنا قليلاً ، وأماتنا لأنَّه فرّق كلمتنا وأضعف وحدتنا ، وقطع روابطنا ، وأبعد ما بين طوائفنا حتى أصبحت بلادنا مجموعة مستعمرات صغيرة مختلفة الأذواق ، متضاربة المشارب ، كل مستعمرة منها تشدّ في حبل الأمم الغربيّة ، وترفع لواءها ، وتترنّم بمحاسنها وأمجادها .  فالشاب الذي تناول لقمة من العلم في مدرسة أميركيّة ، قد تحوّل إلى معتمّد أميركيّ ، والشاب الذي تجرّع رشفةً من العلم في مدرسة يسوعيّة ، صار سفيراً فرنسيّاً ، والشاب الذي لبس قميصاً من نسيج مدرسة روسيّة أصبح ممثِّلاً لروسيا ... إلى آخر ما هناك من المدارس ، وما تخِّرجه في كل يوم من الممثِّلين والمعتمدين والسفراء .  وأعظم دليل على ما تقدّم اختلاف الآراء وتباين المنازع في الوقت الحاضر في مستقبل سوريّا السياسي .  فالذين درسوا بعض العلوم باللغة الإنجليزيّة يريدون أميركا وانكلترا وصيّة على بلادهم ، والذين درسوها باللغة الإفرنسيّة يطلبون فرنسا أن تتولّى أمرهم ، والذين لم يدرسوا بهذه اللغة أو بتلك لا يريدون هذه الدولة ولا تلك ، بل يتبعون سياسة أدنى إلى معارفهم ، وأقرب إلى مداركهم .  

 

وقد يكون ميلنا السياسيّ إلى الأمّة التي نتعلّم على نفقتها دليلاً على عرفان الجميل في نفوس الشرقِّيين ، ولكن ما هذه العاطفة التي تبني حجراً من جهة واحدة وتهدم جداراً من الأخرى ؟ ما هذه العاطفة التي تستنبت زهرة وتقتلع غابة ؟ ما هذه العاطفة التي تُحيينا يوماً وتُميتنا دهراً ؟ .   

 

إنَّ المحسنين الحقيقّيين ، وأصحاب الأريحيّة في الغرب لم يضعوا الشوك والحسك في الخبز الذي بعثوا به إلينا ، فهم بالطبع قد حاولوا نفعنا لا الضرر بنا .  ولكن كيف تَولَّد ذلك الشوك ، ومن أين أتى ذلك الحسك ؟ هذا بحث آخر أتركه إلى فرصة أخرى ؟.  

 

نعم سوف يعمُّ اللغة العربيّة في المدارس العالية وغير العالية ، وتُعلَّم بها جميع العلوم ، فتتوحَّد ميولنا السياسيّة ، وتتبلور منازعنا القوميّة ، لأنّ في المدرسة تتوحَّد الميول ، وفي المدرسة تتجوهر المنازع ، ولكن لا يتمّ هذا حتى يصير بإمكاننا تعليم الناشئة على نفقة الأمّة . لا يتمّ هذا حتى يصير الواحد منا ابناً لوطنٍ واحد بدلاً من وطنين متناقضين أحدهما لجسده والآخر لروحه . لا يتمّ هذا حتى نستبدل خبز الصدقة بخبز معجون في بيتنا ، لأنّ المتسوِّل المحتاج لا يستطيع أن يشترط على المتصدِّق الأريحيّ . ومن يضع نفسه في منزلة الموهوب لا يستطيع معارضة الواهب ، فالموهوب مسيَّر دائماً ، والواهب مخيَّر أبداً .

 

اكتبوا لنا ملاحظاتكم واستفساراتكم

تحرير : المدرسة العربية  www.schoolarabia.net

اعداد : المدرسة العربية

المصدر : جبران واللغة العربية ، تأليف :  د. اميل بديع يعقوب 

منشورات جروس - برس / ط1   1985

تاريخ التحديث : أيلول 2003

Copyright © 2001 - 2012 SchoolArabia. All rights reserved الحقوق القانونية و حقوق الملكية الفكرية محفوظة للمدرسة العربية