مستقبل اللغة العربية

 

 مقتطفات من مقابلة كانت قد أجرتها مجلة الهلال المصريّة مع جبران خليل جبران حول مستقبل اللغة العربية.

 

(5) وهل تتغلب اللغة ( العربية الفصحى ) على اللهجات العامِّية المختلفة وتُوحِّدها ؟  

 

إنّ اللهجات العامِّيّة تتعدَّل ، وتتهذَّب ، ويُدلك الخشن فيها فيلين ، ولكنّها لا ولن تُغلب – ويجب ألاّ تُغلب – لأنّها مصدر ما ندعوه فصيحاً من الكلام ، ومنبت ما نعدّه بليغاً من البيان .

 

إنَّ اللغات تتبع ، مثل كلّ شيء آخر ، سُنَّة بقاء الأنسب ، وفي اللهجات العامِّيّة الشيء الكثير من الأنسب الذي سيبقى ، لأنّه أقرب إلى فكرة الأمّة ، وأدنى إلى مرامي ذاتها العامّة: قلت إنَّه سيبقى ، وأعني بذلك أنَّه سيلتحم بجسم اللغة ، ويصير من مجموعها .

 

لكل لغة من لغات الغرب لهجات عامِّيّة ، ولتلك اللهجات مظاهر أدبيّة وفنِّية لا تخلو من الجميل المرغوب ، والجديد المبتكر ، بل في أوروبا وأميركا طائفة من الشعراء الموهوبين الذين تمكَّنوا من التوفيق بين العامِّي والفصيح في قصائدهم وموشَّحاتهم فجاءت بليغة ومؤثِّرة .  وعندي أنَّ في الموالي ، والزجل ، والعتابا ، والمعنّى من الكنايات المستَجَدَّة ، والاستعارات المستملَحة ، والتعابير الرشيقة المستنبَطة ، ما لو وضعناه بجانب تلك القصائد المنظومة بلغة فصيحة ، والتي تملأ جرائدَنا ومجلاّتنا ، لبانت كباقة من الرياحين بقرب رابية من الحطب ، أو كسرب من الراقصات المترنِّمات قبالة مجموعة من الجثث المحنطة.

 

لقد كانت اللغة الإيطاليّة الحديثة لهجة عامِّيّة في القرون الوسطى ، وكان الخاصّة يدعونها بلغة الهمج ، ولكن لما نظم دانتي ، وبتراك ، وفرنسيس داسيزي قصائدهم وموشَّحاتهم الخالدة اصبحت تلك اللهجة لغة إيطاليا الفصحى ، وصارت اللاتينيّة بعد ذلك هيكلاً يسير ، ولكن في نعشٍ على أكتاف الرجعِّيين ... وليست اللهجات العامِّيّة في مصر ، وسوريا ، والعراق أبعد من عن لغة المعرّي ، والمتنبي من لهجة الهمج الإيطاليّة عن لغة أوقيدي، وقرجيل . فإذا ما ظهر في الشرق الأدنى عظيمٌ ، ووَضع كتاباً عظيماً في إحدى تلك اللهجات ، تحوَّلت هذه إلى لغة فصحى .  بَيْد أنِّي أستبعد حدوث ذلك في الأقطار العربيّة ، لأنّ الشرقّيين أشد ميلاً إلى الماضي منهم إلى الحاضر أو المستقبل ، فهم المحافظون ، على معرفة منهم ، أو على غير معرفة ، فإن قام كبيرٌ بينهم ، لَزِم ، في إظهار مواهبه ، السُبُلَ البيانيّة التي سار عليها الأقدمون ، وما سُبُل الأقدمين سوى أقصر الطرقات بين مهد الفكر ولحده .  

اكتبوا لنا ملاحظاتكم واستفساراتكم

تحرير : المدرسة العربية  www.schoolarabia.net

اعداد : المدرسة العربية

المصدر : جبران واللغة العربية ، تأليف :  د. اميل بديع يعقوب 

منشورات جروس - برس / ط1   1985

تاريخ التحديث : أيلول 2003

Copyright © 2001 - 2012 SchoolArabia. All rights reserved الحقوق القانونية و حقوق الملكية الفكرية محفوظة للمدرسة العربية