14- ولذلك صارت المدرسة مطالبة بالجودة الشاملة (TQM) انسجاما مع التحولات التكنولوجية والاقتصادية من حلولها ، فمثلما أخذت المدرسة - ولا تزال – شكل المصنع وخط الإنتاج ، ومراقبة الجودة في نهايته بالامتحانات العامة ، وقبول الجودة الجزئية إبان الثورة الصناعية، آن الأوان لتأخذ شكل الكمبيوتر ، ولكن المبدع والخلاق ، ومبدأ الجودة الشاملة أي الجودة أولا بأول وطفلاً بطفل (تفصيل التعليم) تجنباً للاهدارين المكلفين البشري والاقتصادي (في عصر الثورة المعرفية) وحين صار للدرجة الجامعية تاريخ نهاية للصلاحية Expiry date  .

 

15- غير انه على الرغم من التحولات الجارية في العالم لا يزال بين المربين والتربويين والمعلمين والمعلمات من يؤمن بالجودة الجزئية أو بتعليم النخبة أو القلة ، ربما لأن ذلك يريحهم من أعباء الجودة الشاملة الشاقة ، ويضع مسؤولية تحصيل الطلبة على الطلبة أنفسهم لا عليهم هم ، متناسين الغربلة الدائمة للطلبة (بالامتحانات المدرسية والعامة) قد تنتهي بوصول رُبْع أو خُمْس طلبة الصف الأول الابتدائي إلى نهاية المرحلة الثانوية عبر تقديمهم ثلاثة آلاف امتحان مدرسي تقريباً (في الأردن مثلاً) ثم رسوب نصف الواصلين منهم في الامتحان العام الذي قد يبلغ عددهم عشرات الألوف أو مئات الألوف فأي إهدار تربوي (بشري) واقتصادي اكبر من هذا الإهدار ومن المسؤول عنه ؟ هل هم الطلبة أم السلطة التربوية ؟ لماذا لا يقلد الفريقُ المدرسي الفريقَ الرياضي فيطرد المعلّم (والمدير) إذا فشل طلبتهما في التحصيل والتفوق مثلما يطرد الفريقُ الرياضي معلّمه (مدربَه) إذا فشل الفريق في اللعب والفوز ؟ أما الشكوى من الكثرة المطلقة للمتقدمين لامتحان الثانوية العامة كل عام فيجب أن توجه إلى الزيادة السكانية السنوية المرتفعة ، والى آثار الهجرة بأنواعها ، لا للترفيع التلقائي علماً أنه سيأتي وقت (قريب) تعتدل فيه الزيادة السكانية وتنخفض كثيراً لدرجة الشكوى منها .

 

16- كلما ارتفع شأن الامتحانات في المدرسة والمجتمع ركز المعلمون والمعلمات والأهلين على متطلباتها وتعليمها للطلبة بدلاً من تعليم المنهج أو الحياة لهم ، وصار النظام التربوي اقل مرونة وأكثر إملالاً ، والمدارس "أشبه بمراكز اعتقال نهارية" كما يقول أحد المربين ، في الوقت الذي يدعو فيه الجميع إلى المرونة وتفعيل الطلبة بالمشاركة في المسؤوليات المدرسية والحياتية ... ويتجلى ذلك بوضوح حين تتخلص بعض المدارس الخاصة بأعذار لا تربوية - ولا أخلاقية - أحياناً من طلبة بدءوا الدراسة فيها من مرحلة الروضة، لاعتقادها أنهم قد يفشلون في امتحان الثانوية العامة فيشوهون سمعتها . كما يعمل بعضها على استقطاب أوائل الطلبة في المدارس الحكومية والخاصة الأخرى بإغراءات مختلفة لتزهو المدرسة بنجاحهم وصورهم ومعدلاتهم العالية في امتحان الثانوية العامة بنسبتها إلى جهودها الفريدة ، أو لتستخدمها للتغطية على نسبة النجاح العامة المتدنية في المدرسة في الامتحان لتجذب المزيد من أشكالهم (ومن الأرباح) في السنة القادمة إليها وهلم جراً . لو كانت التربية هي المعيار أو الهدف لكان على المدرسة دفع تعويض كبير للطلبة الذين يفشلون في الامتحان. أما المدرسة التي تركز على كامل شخصية الطالب وتكوين القدرة عنده على القيام بالأعمال ذات القيمة في الحياة والذي يسميه بون براندت بالأداء الصادق (Authentic Performance) لا على الانصياع والامتثال فتتعرض لسوء الفهم والتقدير . (Educational Leadership, December.1996).

 

17- تؤدي الامتحانات العامة وما على شاكلتها – التي تقرر المصير التعليمي والمهني والاقتصادي والاجتماعي للطالب والطالبة مدى الحياة ، إلى اغتيال الأهداف السامية للتربية والتعليم بسلبيات لا حصر لها مثل : تفشي ظاهرة الغش وعلى عينك يا فاحص ، وظاهرة الدروس الخصوصية وازدهارها ، والى طبخ كثير من الكتب والأدلة (والدوسيات) المتعلقة بالامتحان لبيعها للطلبة مما يزيد التكلفة ، هذا عدا انتشار الانتحار والقتل...

 

18- كما تؤدي الامتحانات (من هذا النوع) إلى إضعاف الذاكرة ، فقد توصل بحث جديد إلى وجود علاقة مباشرة بين التعرض للمؤثرات كالامتحانات أو المقابلات الوظيفية وإصابة الشخص بالنسيان ، وأن التعرض للتوتر (وما أشده في امتحان الثانوية العامة وما أعلاه لأنه يقرر المصير) يزيد مستويات هرمون الكورتيزول الذي ينتمي إلى عائلة هرمونات التوتر التي تتداخل مع توريد الطاقة لخلايا الدماغ المسؤولة عن الذاكرة ، وأن التعرض لمسؤوليات عالية من هذا الهرمون لعدة أيام اثر ملحوظ على الذاكرة ومدى شعور الأشخاص بالقلق استجابة للضغط النفسي الناتج عن الامتحانات النهائية (الرأي في 30 - 6 - 1996م عن مجلة طب النفس العام الأمريكية) .

 

19- أن الركض وراء التفوق في الامتحان أشبه بطاحونة يمكن أن يؤدي إلى الفساد والإفلاس كما يقول لويس . ج بيرلمن (School Out 1992) ويضيف : وحتى إذا أنفقنا دخلنا القومي على التعليم فإن نصف المدارس والطلبة سيظلون دون الوسط Median هذا هو معنى الوسط الذي لا بد من وجوده انصياعاً لمتطلبات علم الإحصاء .

 

اكتبوا لنا ملاحظاتكم واستفساراتكم

إعداد : حسني عايش

تحرير : المدرسة العربية  www.schoolarabia.net

تاريخ التحديث حزيران 2002

 

تاريخ التحديث آذار  2009

 

Copyright © 2001 - 2011 SchoolArabia. All rights reserved الحقوق القانونية وحقوق الملكية الفكرية محفوظة للمدرسة العربية