4- الناس علامات :

 

يضيف جولد : وبعد ما اعتمد علماء القرن التاسع عشر حجم الجمجمة لتحديد الذكاء , ثم حجم الرأس ، ثم شكل الجسم والأطراف ، انتهى علماء القرن العشرين إلى نظرية الذكاء الموروث ومقاييس الذكاء التي تحدد كميته . لقد افترضوا أن الذكاء شيء فطري أو جبلّي قابل للقياس ، وشيئوه بالتحليل العاملي (Factor Analysis) لأن التعبير عن شيء بالأرقام يكسبه الموضوعية والمصداقية . طبعاً يمكن قياس الجمجمة أو الرأس ، أو وزن الدماغ ، أو إخضاع الإنسان لاختبارات ذكاء دون إشارة الباحث إلى تفضيلاته وتحيزاته الاجتماعية ، ثم عرض النتائج بأرقام صعبة تم الحصول عليها بإجراءات معيارية صارمة لتبدو وكأنها تعكس الحقيقة ، حتى وإن كانت انعكاساً لما أراد الباحث الاعتقاد مسبقاً به .

في سنة 1898 قام الفرد بينيه (1857-1911) مدير المختبر النفسي في جامعة السوربون في باريس ، بنشر مقالة له يقارن فيها بين أدمغة البيض والسود وأحجام الجماجم والجبهات... قال فيها : إنه وجد دوماً فرقاً ذا دلالة بينهما يعبر عن دونية السود . ولم ينس شمول المرأة بالدونية العقلية في استنتاجاته إذ قال : ففي كل الجماعات نجد أن دماغ المرأة أصغر من دماغ الرجل ، لكنه أخفى عمداً الحديث عن وزن الدماغ ، المعيار المحبب لعلماء قياس الجمجمة . وعندما فحصت أوراق بينيه بعد موته عثر على السبب وبطل العجب وهو عدم عثوره على اختلاف في الوزن الإجمالي لأدمغة البيض والسود .
  وقد كتب معلقاً على ذلك : "إن عوامل كثيرة تتدخل في ووزن الدماغ مما يجعل الكشف عن هذا الأمر غير مفيد" .  لكن بينيه أصبح شخصاً "مشهوراً" في أوروبا وأمريكا بعد اختراعه لمقاييس الذكاء ، مع أن نسبة الذكاء (IQ) اختراع أمريكي .

 

لقد تقلب بينيه في عدة مدارس فكرية ، ولكنه في النهاية هجرها إلى الأساليب النفسية بعد حيرة قوية نتجت عن تضارب قياسات حجم الجمجمة وعدم اتساقها مع أفكاره المسبقة ومع قياسات تلميذه سيمون . وقد بدأ ذلك سنة1904 عندما كلف وزير التربية والتعليم الفرنسي بينيه بوضع تقنيات لتحديد تلاميذ الصفوف العادية المحتاجين لشكل ما من التربية الخاصة (Special education) لمساعدتهم . وقد نهض بينيه للمهمة بسلسلة من الاختبارات القصيرة أو الأعمال (Tasks) ذات العلاقة بالمشكلات اليومية المعتمدة على أساسيات التفكير بقصد قياس الذكاء الطبيعي للطفل غير المتأثرة بالتعلّم ، وعليه لم يعط التلاميذ فيها أي شيء يقرأ أو يكتب .

 

لقد تبين لبينيه أخيرا "أن الذكاء معقد جداً" ، فلا يحيط به ، أو يعبر عنه ، رقم ، وإنه ليس شيئاً واحداً قابلاً للقياس كالطول أو الارتفاع. كما حذر من تبسيط موضوع الذكاء ، وقال : إنه لا يجوز أن يقال : إن فلاناً عمره الزمني ثماني سنوات وعمره العقلي سبع سنوات، لأن مثل هذا القول سيكون مصدراً للخداع والتضليل . كان بينيه يخشى أن يُشيء الذكاء ، وأن يصبح الرقم أشبه بلزقة دائمة لصاحبه. وكان يخشى استخدام المعلمين للمقياس كعذر للتخلص من جميع الأطفال المشْكلِين ، بل ولتحقيق النبوءة الذاتية عن الطفل Self- fulfilling Prophesy . ولهذا لم يمتنع بينيه عن وصف الذكاء بالفطري فحسب ، بل رفض – أيضاً – اعتباره أداه عامة لتدريج الأطفال . لقد كان القياس عنده أداة لتحديد الأطفال المحتاجين إلى رعاية خاصة ، فطالب بعدم إجرائه على الأطفال العاديين . وأضاف: وأياً كان سبب ضعف الأداء فإن الهدف هو التحسين وليس الوصم أو الإدانة (Gould). 

 

اكتبوا لنا ملاحظاتكم واستفساراتكم

إعداد : حسني عايش

تحرير : المدرسة العربية  www.schoolarabia.net

تاريخ التحديث حزيران 2002

 

تاريخ التحديث آذار  2009

 

Copyright © 2001 - 2011 SchoolArabia. All rights reserved الحقوق القانونية وحقوق الملكية الفكرية محفوظة للمدرسة العربية