عام 5 : ب  يرحل الأديب عن الدنيا ، لكنه يبقى حياً من خلال أعماله الأدبية التي يتركها وراءه .

بين حقيقة هذا الجانب من خلال الرجوع إلى عملين أدبيين من أعمال القسم الثالث :

 

أولاً من خلال : رواية حنا مينة ـ بقايا صور ـ :

يحتل حنا مينة مكانة مميزة بين كتاب الرواية العرب ، ومع أنه لم يتلق في صغره تعليماً يزيد على حصوله على شهاة المرحلة الابتدائية ، إلا أنه ثقف نفسه وتدرج في الكتابة من الصحف السورية المحلية ، إلى الصحف العربية المشهورة في مصر وبلاد الشام ، ثم بدأ بكتابة المسرحيات الساذجة وانتقل إلى القصة القصيرة ، لكنه عندما نضجت تجربته الروائية ، كتب ما يزيد عن ثلاثين رواية شهيرة ، دار القسم الأكبر منها حول حياة البحر والبحارة ، وصراعهم مع الطبيعة ومع رموز الاستبداد والظلم من أصحاب المصالح التجارية ، الذين مارسوا أبشع أشكال الظلم على العمال البسطاء ، وقد أظهر دوماً في رواياته هذه انتصار إرادة الضعفاء وكفاحهم في سبيل التخلص من الظلم ، وشجع على تمرد العمال من أجل نيل حقوقهم من أسياد البحر . وقد تحول عدد من هذه الروايات إلى أعمال درامية تلفزيونية ، لاقت رواجاً عظيماً عند المشاهدين . وحنا مينة عاش حياة متنوعة إذ عمل حمالاً في الميناء ، وعمل حلاقاً واحترف العمل والسفر في البحر . ولعل دقته في تصوير هموم البحارة ورجال البحر ، كان نتيجة لتجربته الشخصية في هذا المجال .

 

ولو لم يترك حنا مينة غير ثلاثيته ، التي تصور سيرته الذاتية : بقايا صور ، والمستنقع ، والشراع والعاصفة ، التي صور فيها حياته وحياة أسرته منذ ولادته عام 1924 ، وما صادفت أسرته من فقر وظلم وحرمان ، وهي تهيم على وجهها طلباً للعيش ضمن أقل مستوى يبقي على حياة أفرادها على قيد الحياة . ولكن حتى هذا النوع من الحياة لم يكن سهلاً الحصول عليه ، وكان على الأسرة كلها الرجل والمرأة والولد والبنات الثلاث ، أن يعملوا طيلة النهار عند أحد الملاك الصغار في حراثة الأرض ، وتربية دود الحرير على جذوع شجر التوت ، والخدمة في البيوت ، وما يترتب عليها من إهانة وتعب وجوع وخوف . ولم تكن السلطة التركية الحاكمة أرحم من صغار الملاك أو من الإقطاعيين بل كانت أشد ظلماً ، توقع بالفلاحين أشد أنواع العذاب ، إن اشتكى عليهم أحد سادتهم ولو ظلماً . بل كانت هذه السلطة تسخّر الرجال للعمل في الأراضي التابعة لها ، إن لم يكونوا مسلمين ، كما هو الحال مع أسرة حنا مينة.

 

أما إن كانوا من المسلمين ، فتقودهم إلى التطوع في الجندية تنقلهم من بلادهم إلى كافة البقاع التي كانت تسيطر عليها مع حلفائها الألمان ، وقد يموتون أثناء الرحلة من الجوع والعطش.

 

لقد حمل حنا مينة همَّ الفقراء المظلومين، ونادى بانتصارهم على الظالمين وقد حاول في روايته بقايا صور، وفي روايته التي تدور حول التبشير بانتهاء عصر الظلم ، وانتصار الجماهير المغلوبة على أمرها ، وقد اختتمت الرواية بانتصار جياع الشعب والمظلومين على الإقطاعي الذي تسبب في جلد بعض الفقراء الذين سرقوا من مخزن حبوبه، بعض الحفنات من القمح ليطعموا صغارهم الجائعين ، عندما زحفوا جميعاً إلى مخازن الحبوب وأشعلوا فيها النار انتقاماً من صاحبها الظالم.

 

وبالفعل فقد بقيت دعوات حنا مينة في سيرته الذاتية، وفي أعماله الروائية الأخرى خالدة، لأنها مجدت كفاح الفقراء ، وعرت الظلم والظالمين ، وبشرت بميلاد الإنسان المكافح الذي لا يسكت عن الظلم ويسعى لتحرير نفسه وشعبه من كل ما يقف في طريق إرادته ونيل حقوقه في العدالة والحرية والمساواة ، التي نادى بها كل الرسل وكل المصلحين الاجتماعيين. وقد وقف هذا الأديب إلى جانب الأدباء العظام ، في الانتصار لأماني المحرومين والمعذبين ولآمالهم وآلامهم الملونة بالغروب والشروق، بالظلمة والشمس ، بالتعاسة والبهجة ، بالكسل والعمل ، بتباعد الناس وتقاربهم ، تباغضهم وتحابهم ، هدوءهم وانفجارهم ، خوفهم وجرأتهم، بتداول الواقع والحلم ، الإنسان والطبيعة ، وكل سيرة هؤلاء الذين تغرق حياتهم بالدمع والبؤس ، وهم يحملون صليبهم في رحلة عذاب ما تزال مفتوحة في هذه الرواية ، التي لا أعرف رواية مماثلة لها في رصد عالم البؤساء الفاجع ، دون أن أخرج من حسابي رائعة دكنز " ديفيد كوبرفيلد ، ولا قصة " جاك " لألفونس دوريه أو معظم ما كتب من سير الطفولة الذاتية أو غير الذاتية . كما تقول  الدكتورة نجاح العطار في تقديمها للرواية !

 

اكتبوا لنا ملاحظاتكم واستفساراتكم

تحرير : المدرسة العربية  www.schoolarabia.net

اعداد : المدرسة العربية

 

تاريخ التحديث : آذار 2006

Copyright © 2001 - 2012 SchoolArabia. All rights reserved الحقوق القانونية و حقوق الملكية الفكرية محفوظة للمدرسة العربية