التحوير الفني وقضية الزمن في مسرحية
 – أهل الكهف

للكاتب :توفيق الحكيم

 

5.الشخصيات في المسرحية بين الواقعية والرمزية:

ب. بريسكا:

فيها يتجسد اللغز المحير الذي ظل غامضا برغم كل محاولات التحليل ... ذلك أن المرأة هي المرأة في كل زمان وفي كل مكان . ولكن المرأة المحبة تختلف عن غيرها من النساء.

وبريسكا امرأة أحبت فصدقت وأخلصت وضحت .. وإن جاء نموذج "بريسكا" مثالاً للدين فيما عدا اختيارها لتلك النهاية الانتحارية.

وبريسكا تمثل المرأة المحبه عندما تقول : " وما يمنع ؟ إن قلب المرأة يتسع دائماً لله وغير الله ...! إنك لا تعرف قلب المرأة يا غالياس " وكأنها تؤكد إمكان اجتماع الدين والحب في قلب المرأة ذلك الجزء الغامض في تكوينها .

 

ثم تقول بريسكا: " لا شك أن هذه القديسه كانت تفضل أن تكون امرأة لو أنها استطاعت " وتستطرد بقولها : " أنا قديسه ؟ كل شيء إلاّ هذا ...!"

ولأن بريسكا امرأة قبل كل شيء – تطرب لكلمات مشلينا ، فتقول له : "هذا الكلام لم يقله لي أحد من قبل إلا أنت اليوم". وتحس بالغيره فتثور "لا تنادني كما كنت تناديها ! كل هذا الذي قلت لم يكن لي إذن .. بل للأخرى .." وتبكي أمام غالياس وهي تشكو له : "قال: إن القديسة بريسكا كانت عميقة القلب ، أما أنا فلا .. وأنها كانت ذات صوت ملائكي لا يكاد يسمع ، أما أنا فلا ...! وأنها كانت ذات وداعة وصفاء وحياء جميل : أما أنا فلا ... ! "
 

ثم تعود لتصرخ في مشلينا نافذة الصبر والعاطفة : " احذر يا هذا ..! إن كنت تريد أن تتذكرها في صورتي ، وتتأملني كطيف لها وتجعلني تمثالاً يشبهها فإني لا آذن لك بذلك .." وتود لو تحطم تمثال بريسكا القديمه أو غريمتها التي تعمي بصر مشلينا وبصيرته عنها ، ولكن الكبرياء تدعوها للصبر كما تمنعها الكرامة من الاعتراف الصريح بحبها أمام من تحب ... ومع اليأس تكاد تذعن وتتوسل عندما تقول لمشلينا : " نعم وجدت ورأيت وأحببت كل ما هو لها ، الاسم والصورة ، أما كل ما هو لي ..... "

 

ومع هذا لا يفهم مشلينا كنة هذا الحب ، فيفتح صدره للزمن تاركاً الحب والحياة عائداً بإرادة وبلا إرادة إلى سجن الكهف أو سجن الزمن .. وعندما تعود إليه الروح بعودة بريسكا إليه ودخولها معه إلى الكهف يكون الوقت قد فات ، وتكون الفرصة قد ضاعت .. وهنا تبدأ فرصة بريسكا : لا لتثبت لمن أحبت أنها قد أحبت ، ولا لتثبت لنفسها أنها قادرة على العطاء ، ولكن لتثبت للوجود عظمة المرأة إذا هي أحبت وأخلصت . على أن هذا الحب لا يمكن أن ينفصل عن سند قوي يسنده ويسانده ، ألا وهو الإيمان ..!

 

وإيمان بريسكا ، إيمان حي ، إيمان امرأة وليست قديسة . هكذا تقول لغالياس في اللحظة الأخيرة ، وتلك هي وصيتها للأجيال القادمة : " بل قل: إنها امرأة أحبت ! "

 


المادة من اعداد الأستاذ: عبد الله عزايزه , أستاذ اللغة العربية في مدرسة دبورية الثانوية

 

اكتبوا لنا ملاحظاتكم واستفساراتكم

تحرير : المدرسة العربية  www.schoolarabia.net

اعداد : أ. عبد الله عزايزه 

 

تاريخ التحديث : نيسان 2006

Copyright © 2001 - 2012 SchoolArabia. All rights reserved الحقوق القانونية و حقوق الملكية الفكرية محفوظة للمدرسة العربية